نظام الإعادة.. «عدوى ترامب» تصيب المهاجرين في أوروبا تحت وطأة اليمين المتشدد
نظام الإعادة.. «عدوى ترامب» تصيب المهاجرين في أوروبا تحت وطأة اليمين المتشدد
وسط خطط أوروبية متواصلة لمواجهة الهجرة غير النظامية، يستعد الاتحاد الأوروبي لاعتماد نهج مشترك جديد لإعادة المهاجرين غير الشرعيين، ويعزو خبراء ذلك إلى تصاعد نفوذ اليمين المتطرف، ما قد يؤدي إلى سياسات ترحيل أكثر صرامة وتزايد أعداد المُرَحَّلين، في إطار توجه أوروبي متشدد للحد من تدفق المهاجرين وتشديد قيود اللجوء.
وأعلن مفوض الهجرة بالاتحاد الأوروبي، ماغنوس برونر، عن نظام الإعادة الأوروبي، وهو مقترح قانوني جديد يفرض التزامات صارمة على المهاجرين الملزمين بالمغادرة، مع فرض "عواقب قاسية" على من يرفض الامتثال.
وأكد برونر ضرورة تنفيذ قرارات الترحيل بفاعلية، مشيرًا إلى أن 20% فقط من المرحلين يغادرون حاليًا، وهو وضع وصفه بـ"غير المقبول"، خاصة مع استغلال بعض الأفراد للثغرات القانونية للبقاء وارتكاب جرائم.
ومن المقرر أن تقدم المفوضية الأوروبية نهجًا مشتركًا جديدًا لإعادة المهاجرين غير الشرعيين في 11 مارس، لمعالجة القصور في التوجيهات الحالية منذ 2008، وتعزيز إجراءات الترحيل.
وتواجه أوروبا تزايدًا في تدفقات الهجرة، حيث تُعد قبرص واليونان وإيطاليا وإسبانيا نقاط الدخول الرئيسية عبر البحر المتوسط.. وتشير بيانات "فرونتكس" إلى ارتفاع الهجرة غير الشرعية بنسبة 10% في النصف الأول من 2023، مع تسجيل 132,370 محاولة دخول غير قانوني، وارتفاع كبير في الوافدين من تونس إلى إيطاليا.
في ظل الأزمات الاقتصادية وأثر التغيرات المناخية، تتوقع دول البحر المتوسط زيادة أعداد المهاجرين، بينما تصاعد نفوذ اليمين الأوروبي يدفع نحو سياسات أكثر صرامة، إذ تشتكي دول مثل النمسا والدنمارك وليتوانيا من عدم فاعلية نظام اللجوء، في حين تتجه دول مثل بلجيكا وألمانيا نحو تشديد الضوابط والترحيل.
تحركات مشددة
واتخذت دول الاتحاد الأوروبي سلسلة من الإجراءات لمكافحة الهجرة غير الشرعية، أبرزها:
فبراير 2023: اتفق زعماء الاتحاد الأوروبي في بروكسل على تعزيز المراقبة الحدودية، وتسريع ترحيل المرفوضين، والتعاون مع دول خارج الاتحاد لمنع تدفق المهاجرين.
ديسمبر 2023: توصل البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء إلى اتفاق شامل لإصلاح نظام الهجرة واللجوء، يشمل مراقبة معززة، ومراكز احتجاز قرب الحدود، وآلية تضامن إلزامية بين الدول الأعضاء.
يوليو 2024: وقع الاتحاد الأوروبي اتفاقًا مع تونس بقيمة مليار يورو لوقف تدفق المهاجرين عبر المتوسط.
مارس 2025: اتفقت فرنسا وبريطانيا على تعزيز الرقابة الحدودية، وزيادة الدوريات الأمنية، وإنشاء مركز احتجاز في دونكيرك بحلول 2027 لمكافحة تهريب المهاجرين.
هذه التحركات تعكس تصاعد تشديد السياسات الأوروبية للحد من الهجرة غير الشرعية، مع تعزيز التعاون الإقليمي واتخاذ تدابير أكثر صرامة.
انتقادات متزايدة
وتواجه سياسات الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة غير الشرعية انتقادات واسعة، إذ رفض مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي في يونيو 2024، "تسييس" ملف الهجرة، محذرًا من أن تصوير المهاجرين كتهديد لا يحل المشكلة، بل يشجع على الهجرة غير النظامية.
فيما أدانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، في يناير الماضي، اليونان بسبب إعادة قسرية لطالبة لجوء، ما أدى إلى اعتقالها وسجنها في تركيا.
وفي فبراير 2025: نددت منظمات حقوقية أوروبية بأن عمليات "الصد" أصبحت سياسة منهجية، مشيرة إلى تسجيل أكثر من 120 ألف عملية إعادة قسرية على حدود الاتحاد الأوروبي في 2024، ما يخالف اتفاقية جنيف للاجئين.
العدوى "ترامب"
تؤكد الخبيرة في العلاقات الأوروبية، جيهان جادو، أن نظام الإعادة الأوروبي يمثل تصعيدًا في إجراءات الترحيل، خاصة في دول مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، إذ ترى أن هذه السياسات تأتي في ظل أزمات اقتصادية وتصاعد جرائم تُنسب للمهاجرين، إضافة إلى نفوذ اليمين المتطرف الذي يدفع نحو قوانين أكثر تشددًا.
وتتوقع جادو، في تصريح لـ"جسور بوست" استمرار إصدار تشريعات صارمة للحد من الهجرة غير الشرعية وتسريع عمليات الترحيل، في ظل تصاعد القومية الأوروبية وتأثير الأحزاب اليمينية.
فيما يرى الخبير الفرنسي في الشؤون الأوروبية، بيير لويس ريموند، أن هناك مخاوف من انتقال نهج سياسات الهجرة المتشددة، المعروفة بـ"العدوى الترامبية"، إلى أوروبا، خاصة مع صعود اليمين المتطرف الذي يدفع نحو تطبيق سياسات هجرة "مبتكرة".
لكن ريموند يستدرك، في تصريح لـ"جسور بوست"، قائلًا: "هذه السياسات لن تعالج المشكلة في جذورها، فطالب اللجوء سيجد دائمًا طريقًا لعبور الحدود رغم القيود"، مؤكدا أن الحل الحقيقي يكمن في تنمية مشتركة بين أوروبا وإفريقيا، حيث يأتي معظم المهاجرين بسبب الحروب والفقر.
وأضاف: "يجب أن يحمل النهج الجديد خطة موحدة، لكن للأسف، فرص تحقيق ذلك لا تزال ضئيلة بسبب فشل دول الاتحاد الأوروبي في اتخاذ مواقف دبلوماسية موحدة".
تسريع الوتيرة
أما الخبير في الشؤون الأوروبية والروسية، الدكتور ديمتري بريجع، فيرى أن تشديد سياسات الهجرة في الاتحاد الأوروبي يعكس تحولًا واسعًا، وليس مجرد استنساخ لنهج ترامب.
ويشير بريجع في تصريح لـ"جسور بوست" إلى أن قضية الهجرة أصبحت ورقة سياسية حساسة، تستخدمها الأحزاب اليمينية لتعزيز شعبيتها عبر استغلال المخاوف الأمنية والضغوط الاقتصادية والاضطرابات الاجتماعية.
ويوضح بريجع أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى تسريع عمليات الترحيل، خاصة بعد إعلان مفوض الهجرة، ماغنوس برونر، عن "نظام إعادة أوروبي" جديد يفرض التزامات صارمة على المهاجرين الملزمين بالمغادرة، مع عواقب قاسية لمن يرفض الامتثال.
ويعزو ذلك إلى المعدلات المنخفضة لتنفيذ قرارات الترحيل، حيث لا يغادر سوى 20% من المهاجرين الذين صدر بحقهم قرار ترحيل، كما تتزايد المخاوف من استغلال بعض الأفراد لنقاط ضعف النظام الأوروبي للبقاء داخل الاتحاد وارتكاب جرائم، ما دفع إلى المطالبة بإجراءات أكثر صرامة، مثل احتجاز المهاجرين الذين يُعتبرون خطرين لمنعهم من الفرار أثناء التحضير لترحيلهم.
وفي ظل هذه التطورات، يبدو أن أوروبا تتجه نحو تصعيد غير مسبوق في سياسات الترحيل، مدفوعة بالتحولات السياسية وصعود القومية المتطرفة، ما ينذر بمزيد من التوتر حول ملف الهجرة في المستقبل القريب.